علاج الحمى عند الاطفال

لن أنسى مطلقا المرة الأولى التي أصيب فيها ابني بحمى ووصلت درجة حرارته فيها إلى 103 درجات فهرنهايت (39.5 درجة مئوية) في الساعات المبكرة من الصباح - ليس فقط لأن ذلك قد حدث له في عيد ميلاده الأول.
فقد ارتفعت درجة حرارة جسم صغيري بشكل مفرط وبات في حالة يرثى لها، وبوصفي أما جديدة عصبية، قمت على الفور بشراء دواء «تيلينول» ولم أتردد في إعطائه له كل أربع ساعات تقريبا، إلى أن عادت درجة حرارته لمستواها الطبيعي بعد يوم واحد.

وباسترجاعي لما حدث، لا أعتقد أنه كان من الممكن لي أن أنتظر وأقف موقف المتفرج ولا أفعل شيئا لإسعاف ابني المريض المحموم، مع علمي أن الدواء يمكنه أن يحدث تأثيرا سريعا ويحسن من حالته.
غير أن تقريرا جديدا صادرا عن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال يقول إن عددا هائلا من الآباء والأمهات تنتابهم حالة من الهلع عند إصابة أبنائهم بالحمى بلا داع، وتوصي الأكاديمية الآن بأنه من الأفضل عدم علاج الطفل عندما يسجل الترمومتر (المحرار) درجة حرارة مرتفعة.

أهمية الحمى

تقول جانيس سوليفان، أستاذة الرعاية الإكلينيكية للأطفال وعلم الأدوية الإكلينيكي بكلية الطب بجامعة لويسفيل والمشاركة في كتابة التقرير: «الحمى هي استجابة الجسم الطبيعية للعدوى – إنها آلية دفاعية طبيعية».
وتقول إن درجة الحرارة المرتفعة تحفز إنتاج الجسم لكريات الدم البيضاء المقاومة للعدوى، وفي الوقت نفسه تثبط نمو الفيروسات والبكتيريا. فترى أنه «إذا ما قمت بخفض درجة الحرارة، ربما تؤثر على قدرة الجسم على الاستجابة لتلك العدوى».

إن معظم حالات الحمى، التي تكون درجة حرارة الجسم فيها 100.4 درجة فهرنهايت (38 درجة مئوية) أو أكثر، تزول بسرعة دون حدوث أي مضاعفات.

غير أنه لا يزال لدينا جميعا شعور مرضي بالخوف من حالات إصابة الأطفال بالحمى: فطبقا لمقال الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، الذي نشر في عدد الشهر الماضي من «دورية طب الأطفال»، يكون ثلث الزيارات لأطباء الأطفال مرتبطا بحالات إصابة بالحمى؛ ويشير 25 في المائة من مقدمي خدمات الرعاية الصحية إلى أنهم يوصون بأخذ دواء خافض للحرارة مثل «تيلينول» أو «موترين» في الحالات التي تقل فيها درجة الحرارة عن 38 درجة مئوية، ويقوم 85 في المائة من الآباء بإيقاظ أطفالهم من النوم لإعطائهم هذه الأدوية، على الرغم من أن النوم عادة ما يكون أكثر أهمية في تعافي الجسم من إعطاء أدوية لعلاج الحمى.

وتقول لي بيرز، أستاذ طب الأطفال بالمركز الطبي الوطني للأطفال: «الحمى إحدى أكثر علامات المرض وضوحا، لذلك، فإنها بالطبع تثير مخاوف الآباء، كما تمثل مصدر قلق للأطباء وتجذب انتباه الجميع إلى المرض الأساسي، إلا أن معظم المخاوف (مثل الإضرار بالمخ والآثار الجانبية الأخرى طويلة الأجل) ليست مؤكدة».
وتستكمل قائلة: «فبالنسبة لطفل طبيعي.. لن ترتفع درجة حرارته عند إصابته بالحمى للدرجة التي تؤدي إلى حدوث أي نوع من الأضرار الخطيرة، لذلك، فلا داع لأن يساورك القلق حيال هذا الأمر».

ليس هناك أي داع للقلق من النوبات المرضية المرتبطة بالحمى، التي عادة ما تكون قصيرة وغير مرتبطة بدرجة الحرارة، وغالبا ما تزول من تلقاء نفسها، على حد قول سوليفان. تقول: «تشير المراجع إلى أنه لا توجد آثار سيئة طويلة الأمد أو دائمة لنوبات الحمى».

علاج الحمى
غير أن هذا لا يعني أنه عليك أن تترك طفلا صغيرا مريضا يعاني ويتألم. فللمبتدئين، يؤكد الخبراء أن الأطفال الصغار من عمر 3 أشهر أو أصغر يجب أن يتابعهم باستمرار اختصاصي رعاية صحية إذا كانت درجة حرارتهم 38 درجة مئوية أو أعلى من ذلك.
وما بعد تلك السن، يمكن أن يساعد إعطاء بعض الأدوية في تحسين حالة الصداع واحتقان الحلق والتوعك بشكل عام. ويقول طبيب الأطفال روبرت شيرين بمدينة تشيفي تشيس: «غير أنه من المهم إدراك أن هذا لن يحدث أي فارق في علاج السبب الأصلي للمشكلة أو مساعدة الأطفال في الشفاء بشكل أسرع».

لكن السؤال هو، كيف تعرف بشكل مؤكد ما إذا كان يجب أن تبدأ في علاج الحمى أم لا؟ يشير جميع الأطباء الذين تحدثت إليهم إلى أن الأمر لا يتعلق بدرجة الحرارة التي يظهرها الترمومتر بقدر ما يتعلق بمظهر المريض ومستوى نشاطه.

وتقول بيرز: «قد تكون لدى الطفل حمى منخفضة الدرجة أو لا تكون لديه حمى على الإطلاق ويبدو مريضا إلى حد ما، وربما تكون لديه حمى شديدة ويكون مريضا بالفعل، ومع ذلك يبدو في صحة طيبة: فليس بالضرورة أن ترتبط شدة المرض بشدة الحمى أو ارتفاع درجة الحرارة».
وتضيف: «الأمر الأهم هو تقييم الحالة التي يبدو عليها الطفل: ماذا يأكل؟ هل يبدو مريضا؟ هل يتبول بشكل طبيعي؟ هل يبتسم ويضحك ويلعب بشكل معتاد؟».

وتوصي الطبيبة بأنه إذا كانت الإجابات تشير إلى أن طفلك يبدو متوعكا بدرجة ما، يكون هذا هو الوقت المناسب لإعطائه علاجا.
وإذا قررت أن إعطاءه جرعات قليلة من «تيلينول» أو «مورتين» ربما يفيد في علاجه، يؤكد تقرير أكاديمية طب الأطفال الأميركية أهمية إعطاء الجرعة الصحيحة اعتمادا على وزن الطفل مقارنة بسنه.
كما يشكك المقال أيضا في جدوى الممارسة المعتادة المتمثلة في إعطاء الطفل جرعات متناوبة من دوائي «أسيتامينوفين» و«إبوبروفين» لعلاج الحمى.

وتقول بيرز إنه على الرغم من أن الأبحاث تشير إلى أن هذا العلاج الدوري أكثر فاعلية في خفض درجات الحرارة المرتفعة، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان يساعد فعليا في تخفيف حالة الطفل المريض أم لا.
وتضيف أن أخذ دوائي «أسيتامينوفين» و«إبوبروفين»، اللذين يعتبران آمنين جدا بشكل عام، بشكل متناوب، يمكن أن يزيد من احتمالات الخطأ في إعطاء الجرعات وحدوث آثار جانبية محتملة.
تقول، مشيرة إلى أن إعطاء الطفل جرعة زائدة من «تيلينول» يمكن أن يؤدي إلى حدوث تلف في الكبد: «يبدو دواء (التيلينول) آمنا جدا، ولكنه لا يخلو من بعض المخاطر».

تناول العلاج
وتعتبر كل هذه النصائح صحيحة بغض النظر عن السن. يقول مارك أبروزيس، اختصاصي الأمراض المعدية في بيثيسدا: «إن وصول درجة الحرارة إلى نحو 38 درجة مئوية (عند شخص بالغ) يصيب الجميع بالعصبية، لكن الحمى في حد ذاتها لا تصيبنا بالأذى مع تقدمنا في العمر، بل ومن الممكن أن تفيد في العلاج»، والذي يشير إلى أن أكبر مصدر للمخاوف في حالة استمرار الحمى، بغض النظر عن السن، هو محاولة إبقاء جسم الطفل رطبا.
ويضيف: «السبب الوحيد لأخذ دواء مضاد للحمى وخافض للحرارة مثل (أسيتامينوفين) أو (أسبرين) أو (إبوبروفين) هو بهدف الشعور بالراحة، وتختلف درجة شعور الأفراد بالراحة أو عدم الراحة بعضهم عن بعض».
(ومن المهم ملاحظة أنك لا يجب أن تعطي الأسبرين لأي مريض تحت سن 18 سنة، نظرا لأنه قد تم ربطه في بعض الحالات بالإصابة بمرض متلازمة ريي Reye’s syndrome).

متى يجب أن تبدأ في الشعور بالقلق الشديد بشأن إصابة طفلك بالحمى؟ تقول سوليفان إن الحمى قد تشمل علامات على إصابة الطفل بمشكلة صحية أخرى أخطر – على سبيل المثال، الإصابة بعدوى بكتيرية – انخفاض مستوى نشاطه أو فقده الاستجابة أو إصابته بصداع مع ألم في الرقبة أو الجفاف الشديد أو صعوبة التنفس أو الألم عند التبول أو ارتفاع درجة الحرارة مع الشعور بألم في البطن.
بالنسبة للبالغين، يحذر أبروزيس بدرجة كبيرة من الحمى الشديدة التي لا تزول لعدة أيام، والتي يمكن أن تشير إلى الإصابة بعدوى خطيرة أو بورم خبيث أو بأية مشكلة صحية أخرى.

وتشرح بيرز، التي تقترح المتابعة مع مزود خدمات رعاية صحية إذا كان هناك أي شك أو أية تساؤلات قائلة: «لا يعني هذا أنه ليست هناك حاجة مطلقا لاستشارة طبيب في حالة إصابة الطفل بالحمى، ولكن عليك فقط أن تنظر إلى الصورة الأكبر».



0 التعليقات:

إرسال تعليق

موقع تعارف للزواج | موقع تعارف